الحرب العالمية الأولى : الأسباب و أبرز النتائج
الحرب العالمـية
الأولى 1914
- 1918م
شملت الحرب العالمية الأولى أكثر الأقطار، وسببت أعظم الخسائر التي
لم تسببها حرب أخرى فيما عدا الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م).
وجرت سلسلة من التحالفات بين القوى
الأوروبية الرئيسة لخوض القتال، كان كل جانب يتوقع نصراً سريعاً، لكن الحرب
استمرت أربع سنوات وأزهقت أرواح مايقرب من عشرة ملايين من القوات المتحاربة.
I-
الأسباب:
- الاسباب العميقة
تنحصر الأسباب الرئيسية للحرب العالمية الأولى في:
1-
نمو النزعات القومية: تجنبَّت أوروبا حرباً
كبرى في المائة عام السابقة على الحرب العالمية الأولى. ورغم أن حروبًا صغيرة اشتعلت، فإنها لم تضم دولا أخرى، لكن فكرة اكتسحت القارة في
القرن
التاسع عشر ساعدت على بدء الحرب الكبرى، تلك
الفكرة كانت القومية وهي الاعتقاد أن الولاء لأمة بعينها ولأهدافها السياسية والاقتصادية يسبق أي ولاء آخر. وزاد
هذا النزوع المبالغ فيه من الوطنية من احتمالات الحرب، لأن
أهداف أمة ما لابد أن تتعارض مع أهداف أمة أو مجموعة أمم
أخرى، بالإضافة إلى ذلك فإن الاعتزاز القومي كان من شأنه أن يجعل الأمم تضخم الخلافات البسيطة وتحولها قضايا كبرى، وأصبح من
الممكن أن
تؤدي شكوى صغيرة إلى تهديد بالحرب. لقد قويت
القومية خلال سنوات القرن التاسع عشر بين أفراد الشعب الذين يشتركون في لغة واحدة، وتاريخ أو ثقافة. وقد أدى
استعار
المشاعر القومية إلى قيام دولتين جديدتين تأسّستا
على أساس من مبادئ القومية هما: ألمانيا وإيطاليا اللتان
كانتا نتاجًا لتوحد دول عديدة صغيرة، وكان للحرب دور كبير في تحقيق التوحيد القومي في إيطاليا وألمانيا.
2- بناء قوة حربية: قبل أن تنفجر الحرب
العالمية الأولى، وفي أواخر القرن الثامن عشر، كان لدى ألمانيا أحسن جيش مدرب في العالم، اعتمدت فيه على تجنيد عسكري
لكل القادرين من الشباب لتزيد من حجم جيشها وقت السلم.
وسلكت أقطار أخرى نفس المسلك الذي سلكته ألمانيا وزادت من جيوشها المتحفزة، وظلت بريطانيا في أول الأمر غير مهتمة بشأن بناء ألمانيا
لقوتها،
حيث كانت دولة في جزيرة تعتمد على أسطولها للدفاع،
وكان أقوى أسطول في العالم.
أدى التقدم التقني في الأدوات والمعدات
وأساليب التصنيع إلى زيادة القوة التدميرية للقوات الحربية،
وأصبحتالمدافع والأسلحة الحديثة الأخرى أكثر دقة وأسرع من الأسلحة السابقة، وأصبحت البواخر والسكك الحديدية قادرة على الإسراع في
حركة القوات والإمدادات. وفي نهاية القرن التاسع عشر ساعدت
التقنية الأقطار على أن تشن حروباً أطول وتتحمل خسائر
أفدح من ذي قبل. ورغم ذلك فإن الخبراء العسكريين أصروا على أن الحروب القادمة سوف تكون أقصر
أسلحة الحرب العالمية الاولى
3- التنافس على المستعمرات: في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حولت
الأمم الأوروبية كل إفريقيا تقريبًا ومعظم آسيا إلى
مستعمرات، كما ألهبت زيادة التصنيع التسابق نحو المستعمرات التي أمدت الأمم الأوروبية بالمواد الخام للمصانع وبالأسواق لبضائعها المصنعة
وبفرص
الاستثمار، لكن التسابق نحو المستعمرات أحدث
توترًا بين الأقطار الأوروبية.
4-
التحالفات العسكرية: أعطت التحالفات القوى الأوروبية إحساسا بالأمن قبل
الحرب العالمية الأولى، وكان كل قطر يسعى إلى عدم تشجيع
أعدائه بالهجوم عليه بالدخول في اتفاقيات عسكرية مع بلد أو بلدان أخرى، فمثل هذه الاتفاقية تضمن مساعدة أعضاء التحالف لهذا القطر، لكن هذا النظام خلق أخطارًا معينة. إذ إن اندلاع الحرب يضطر
أعضاء التحالف الأخرى إلى الدخول في الحرب، وهذا يعني
أن عددا من الأمم سوف تشترك في القتال الذي لن يقتصر على الطرفين المتنازعين. وكان التحالف يعني أن يضطر بلد ما إلى أن يعلن الحرب
ضد بلد آخر أو الدخول في شأن لايهمه. بالإضافة إلى ذلك
فإن بنود كثير من التحالفات ظلت سرا، وكانت السرية من شأنها
أن تزيد من فرص إساءة حكم البلد على نتائج أعماله.
- السبب المباشر
في 28 جوان 1914م، اغتيل، الأرشيدوق فرانسيس فرديناند
ولي عهد النمسا في سراييفو وكان للقاتل جافريلو برنسيب ارتباط مع تنظيم إرهابي في
الصرب، فاعتقدت النمسا أن حكومة صربيا وراء
هذا الاغتيال، وانتهزت الفرصة لتعلن الحرب على الصرب وتأخذ بثأر قديم.
II- أهم الاحلاف قبل بداية الحرب
الحلف الثلاثي : كانت ألمانيا في قلب السياسة الأوروبية الأجنبية منذ
سنة 1870م وحتى نشوب الحرب العالمية الأولى، حيث كون
المستشار أوتو فون بسمارك رئيس وزراء ألمانيا سلسلة من التحالفات لتقوية أمن بلده، فبدأ بتحالف مع النسما ـ المجر. وفي سنة 1879م
اتفقت
ألمانيا والنمسا ـ المجر أن تشتركا في الحرب إذا
ما هوجم أي بلد منهما من جانب روسيا، ثم انضمت إيطاليا إلى
التحالف سنة 1882م، وأصبح هذا التحالف يعرف بالتحالف الثلاثي. اتفق أعضاء التحالف الثلاثي أن يساعد كل منهم الآخر في حال وقوع أي
عدوان
من بلدين أو أكثر.
الوفاق الثلاثي : اتبعت
بريطانيا سياسة خارجية خلال القرن التاسع عشر عرفت بالعزلة
المجيدة. لكن بناء ألمانيا لقواتها البحرية جعل بريطانيا تشعر بالحاجة إلى حلفاء، وأنهت بذلك عزلتها. وفي سنة 1904م سوت كل من فرنسا وبريطانيا خلافاتهما الماضية حول المستعمرات ووقَّعتا
الاتفاق الودي. وعلى الرغم من أن الاتفاق لم يتضمن أية
التزامات بمساعدة حربية، إلا أنَّ البلدين بدءا مناقشة خططهما الحربية المشتركة. وفي سنة 1907م انضمت روسيا إلى الحلف الودي وأصبح
يعرف بالوفاق الثلاثي، ولم يرغم الوفاق الثلاثي
أعضاءه أن يشتركوا في الحرب مثلما تضمن التحالف الثلاثي، لكن
التحالفات قسمت أوروبا إلى معسكرات متنازعة.
III- بداية الحرب
أعطى اغتيال فرانسيس فرديناند النمسا ـ المجر عذرًا
لسحق صربيا عدوتها القديمة في البلقان. وحصلت النمسا
على وعد من ألمانيا بمساعدتها في أي عمل تتخذه ضد صربيا، ثم أرسلت قائمة بطلبات مهمة لصربيا في 23 يوليو وقبلت صربيا معظم المطالب
واقترحت
أن تسوى المطالب الأخرى في مؤتمر دولي. ورغم ذلك
رفضت النمسا ـ المجر العرض وأعلنت الحرب على صربيا في 28
يوليو وتوقعت نصراً سريعاً.
كيف انتشر الصراع. اندفعت القوى الأوروبية إلى
الحرب
العالمية الأولى خلال أسابيع من قتل الأرشيدوق،
وبذلت محاولات قليلة لمنع الحرب. فقد اقترحت بريطانيا مثلا
مؤتمرا دوليا لإنهاء الأزمة، لكن ألمانيا رفضت الفكرة مدَّعية أن النزاع يخص النمسا ـ المجر وصربيا. ورغم ذلك فإن ألمانيا حاولت
إيقاف
الحرب ومنع انتشارها، فحث القيصر الألماني ولهلم
الثاني قريبه القيصر نقولا الثاني قيصر روسيا على عدم تعبئة
قواته.
وكانت روسيا من قبل قد تقاعست عن مساندة حليفتها
صربيا. ففي سنة 1908م كانت النمسا قد أغضبت صربيا
بضمها البوسنة والهرسك ووقفت روسيا محايدة. وفي سنة 1914م تعهدت روسيا أن تقف خلف صربيا، وحصلت روسيا على وعد بدعم من فرنسا، ووافق
القيصر
الروسي على خطط لتعبئة قواته على طول حدود روسيا مع
النمسا ـ المجر، لكن القادة العسكريين الروس حثوا
القيصر على أن يحشد قواته على طول الحدود مع ألمانيا أيضا، وفي 30 يوليو عام 1914م أعلنت روسيا أنها ستعبئ قواتها كاملة.
أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا أول أغسطس 1914م رداً
على التعبئة الروسية، وبعد يومين أعلنت ألمانيا الحرب
على فرنسا، واكتسح الجيش الألماني بلجيكا في طريقه إلى فرنسا، وكان غزو بلجيكا المحايدة سببا في إعلان بريطانيا الحرب على ألمانيا
في 4 أغسطس، ومنذ ذلك الحين وحتى نوفمبر 1918م حين انتهت
الحرب، لم تبق سوى مناطق قليلة من العالم محايدة.
IV- نتائج الحرب
. سببت الحرب العالمية الأولى دمارًا كبيرًا إذ مات نحو 10ملايين جندي نتيجة للحرب، وهو رقم يزيد عن عدد الذين
ماتوا
خلال المائة سنة السابقة للحرب، وجرح نحو 21 مليون
رجل. أما الخسائر المالية فقد نجمت عن القوى التدميرية
للأسلحة الجديدة خاصة المدافع الآلية. وساهم القادة العسكريون في هذه المذابح لفشلهم في التَّكيّف مع الظروف المتغيرة للحرب.
خسرت كل من ألمانيا وروسيا نحو مليون وثلاثة أرباع
المليون قتيل خلال الحرب العالمية الأولى، وهو أكثر
مما عاناه أي قطر آخر، وكانت نسبة الموتى في فرنسا أعلى بالمقارنة بعدد جنودها الكلي. فلقد خسرت نحو مليون وثلث المليون جندي؛ أي 16%
من كل
قواتها العاملة. ولا أحد يعرف كم عدد المدنيين
الذين ماتوا من المرض والجوع والأسباب الأخرى المتعلقة
بالحرب، ويعتقد بعض المؤرخين أن عدد المدنيين الذين ماتوا كان يساوي عدد الموتى من الجنود.
أما الخسائر المادية في الحرب العالمية الأولى فكانت
أكثر في فرنسا وبلجيكا، فقد خربت الجيوش المزارع والقرى
بمرورها فيها وحفر الخنادق للقتال، وخربت الحرب المصانع والجسور وقضبان السكك الحديدية. أما جرارات المدفعية والمواد الكيميائية فقد
خربت الأرض على طول الجبهة الغربية.
2- النتائج الاقتصادية. كبدت الحرب العالمية الأولى
الأمم
المتقاتلة نحو 337 بليون دولار أمريكي. وفي سنة
1918م كانت الحرب تكلف 10 ملايين دولار كل ساعة. ورفعت الأمم
ضرائب الدخل والضرائب الأخرى من أجل تمويل الحرب. ولكن معظم الأموال جاءت من القروض التي أوجدت ديونا ضخمة، واستدانت الحكومات من المواطنين ببيع سندات حربية، واستدان الحلفاء كثيراً
من الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، طبعت معظم
الحكومات أوراقاً مالية إضافية لمواجهة حاجاتها، ولكن الزيادة في النقود سببت تضخما ماليا قاسيا بعد الحرب.
سَخَّرت دول أوروبا مواردها في الحرب العالمية الأولى
وخرجت من الحرب منهكة؛ ففرنسا على سبيل المثال،
فقدت عُشْر قوتها العاملة، ولم يجد كثير من الجنود العائدين في معظم أقطار أوروبا وظائف لهم. وبالإضافة إلى ذلك خسرت أوروبا
كثيرًا من
منتجات أسواقها عندما كانت تنتج مواد للحرب، ورغم
ذلك خرجت الولايات المتحدة بقوة اقتصادية متزايدة.
3- النتائج السياسية. هزت الحرب العالمية الأولى دعائم حكومات كثيرة. وتصدت الحكومات الديمقراطية في بريطانيا وفرنسا لضغط الحرب،
لكن أربع
ملكيات سقطت، وكانت أول ملكية تسقط هي ملكية
القيصر نيقولا الثاني في روسيا عام 1917م، وتخلى القيصر ولهلم
الثاني في ألمانيا، والإمبراطور شارل من النمسا - المجر عن عرشيهما في سنة 1918م، وسقط السلطان العثماني محمد السادس في عام 1922م.
أدى سقوط الإمبراطوريات القديمة إلى إيجاد أقطار جديدة
في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى،
وتكون من أرض النمسا ـ المجر قبل الحرب جمهوريات النمسا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وأجزاء من إيطاليا، وبولندا ورومانيا ويوغوسلافيا.
وتنازلت
روسيا وألمانيا عن أراضٍ لبولندا وفنلندا، وحصلت
دول البلطيق: أستونيا ولاتفيا ولتوانيا على استقلالها من
روسيا، ووضعت معظم الأراضي العربية في الإمبراطورية العثمانية تحت سيطرة فرنسا وبريطانيا. وتكونت تركيا من باقي الإمبراطورية العثمانية، ووضع قادة أوروبا في حسابهم المجموعات
القومية لإعادة رسم خريطة أوروبا، وبذلك رسخوا دواعي قضية
القومية، وأعطت الحرب العالمية الأولى الشيوعية الفرصة لتولي السلطة في أوروبا، وتوقع بعض الناس أن تقوم ثورات شيوعية في أماكن أخرى
في أوروبا، وقويت الحكومات الثورية بعد الحرب لكن لم تقم
حكومات شيوعية.
4-
النتائج الاجتماعية. أحدثت الحرب العالمية الأولى تغييرات عدة في المجتمع. فقد أثر موت كثير من الشباب على فرنسا
أكثر مما أثر على أي قطر آخر، وانخفض سكان فرنسا
خلال العشرينيات من القرن العشرين بسبب انخفاض المواليد، واجتثت الحرب الملايين من أبناء الشعب، وهرب بعضهم من مناطق مزقتها الحرب
ليجدوا
بيوتهم ومزارعهم وقراهم خربة، وصار بعضهم الآخر
لاجئين نتيجة للتغيرات في الحكومات والحدود السياسية خاصة وسط
وشرق أوروبا.
فضَّل كثير من الناس أن يستأنفوا سيرتهم الأولى بعد
الحرب العالمية الأولى، ونمت المناطق الحضرية بسبب تفضيل
الفلاحين الإقامة في المدن بدلا من العودة إلى مزارعهم. وملأت النساء الوظائف
والمصانع بعد ذهاب الرجال للحرب، وكن حريصات على أن يرسخن استقلالهن الجديد، وأعطت أقطار كثيرة المرأة حق التصويت بعد الحرب، وبدأ
التباين
بين الطبقات الاجتماعية يظهر نتيجة للحرب العالمية
الأولى، وأصبح المجتمع أكثر ديمقراطية، وفقدت الطبقات
العليا الحاكمة بعضا من نفوذها وامتيازاتها بعد أن قادت العالم إلى حرب ضروس. وواجه الرجال بكل طبقاتهم نفس الخطر والفزع في الخنادق. وأخيرا صاغت الحرب العالمية الأولى اتجاهات جديدة، وفقدت الطبقات الوسطى
والعليا
الأوروبية الثقة والتفاؤل اللذين كانت تشعر بهما
قبل الحرب، وبدأ كثيرٌ من الناس يعيدون النظر في بعض
المفاهيم التي كانت راسخة لديهم. مثال ذلك تغيّر الفكرة القائلة بتفوق الثقافة والحضارة الأوروبية على العالم كله، وكل ذلك بسبب
الخراب
والدمار الذي أحدثته الحرب في هذه البلاد.
V- نهاية الحرب
النقاط الأربع عشرة. في يناير 1918م اقترح
الرئيس ودرو ولسون رئيس الولايات المتحدة؛ أي
قبل انتهاء الحرب بعشرة شهور، بعضا من أهداف الحرب سميت النقاط الأربع عشرة. اعتقد ولسون أن النقاط الأربع عشرة قد تحقق تسوية سلمية
عادلة
سماها سلام بلا نصر.
وفي نوفمبر 1918م وافقت ألمانيا على هدنة. وتوقعت ألمانيا أن تتم التسوية على أساس النقاط الأربع عشرة،
وعالجت ثماني نقاط منها تسويات خاصة سياسية
وإقليمية. وأما باقيها فقد وُضِعَت كمبادئ عامة لمنع حروب مستقبلية، واقترحت آخر النقاط تنظيما دوليا سمي فيما بعد عصبة الأمم لتدعيم
السلام
مؤتمر باريس للسلام
. اجتمع ممثلو القوى المنتصرة في يناير 1919م في
باريس لوضع أسس التسوية السلمية، جاءوا من 32 قطرًا. وأعدت اللجان مقترحات تفصيلية لمؤتمر باريس للسلام، لكن القرارات وضعها
رؤساء أربع حكومات سموا الأربعة الكبار. كان الأربعة الكبار هم: ودرو ولسون رئيس الولايات المتحدة، ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد لويد جورج، ورئيس وزراء
فرنسا جورج كليمنصو، ورئيس وزراء إيطاليا فيتوريو
أورلاندو.
تجاهل مؤتمر الصلح إلى حد كبير المبادئ الرئيسية في
النقاط الأربع عشرة؛ فقد ضحَّى الحلفاء الأوروبيون
الكبار أكثر من الأمريكيين فأرادوا أن يحصلوا على تعويض. أما ولسون فقد ركز جهوده
على إيجاد عصبة الأمم، واستجاب ولسون لفرنسا وبريطانيا حول كثير من القضايا. وفي مايو 1919م وافق مؤتمر الصلح على المعاهدة وقدمها إلى ألمانيا. ولم توافق ألمانيا عليها إلا بعد تهديد من
الحلفاء بغزوها، وإثر شكوك كبيرة وقَّع ممثلو ألمانيا
على معاهدة الصلح في قصر فرساي قرب باريس في 28 يونيو 1919م.
وبالإضافة إلى معاهدة فرساي مع ألمانيا، وقَّع صانعو
السلام معاهدات منفصلة مع دول الوسط الأخرى. فوقَّعت
معاهدة سان جرمان مع النمسا في سبتمبر 1919م، ومعاهدة نويي مع بلغاريا في يونيو 1920م، ومعاهدة تريانون مع المجر في يونيو 1920م،
ومعاهدة
سيفر مع الإمبراطورية العثمانية في أغسطس 1920م.
نصوص المعاهدات التي أنهت الحرب. حرمت المعاهدات دولاً من أراض وأسلحة وطالبتها بدفع تعويضات؛ أما ألمانيا فقد عوقبت بشدة. وتضمن بند
في معاهدة فرساي إرغام ألمانيا على أن تقبل مسؤوليتها
بوصفها المتسببة في الحرب.
وبموجب معاهدة فرساي تنازلت ألمانيا عن أراض في بلجيكا
وتشيكوسلوفاكيا والدنمارك وفرنسا وبولندا وخسرت
مستعمراتها فيما وراء البحار، وحصلت فرنسا على حقول الفحم الحجري في وادي السار التابع لألمانيا لمدة خمس عشرة سنة، وكان على ألمانيا
أن تدفع
نفقات جيش للحلفاء يحتل الضفة الغربية من نهر
الراين لمدة خمس عشرة سنة، وطلبت بعض البنود من ألمانيا أن تعيد إلى الحلفاء مواد حربية وسفنا وبضائع أخرى. ولم
يستقر
الرأي على مجموع التعويضات حتى سنة 1921م وتسلمت
ألمانيا فاتورة تعويضات بنحو 33 مليار دولار أمريكي.
أما معاهدتا سان جرمان وتريانون فقد أنقصتا مساحة
النمسا ـ المجر إلى أقل من ثلث مساحتها السابقة، واعترفت
المعاهدات باستقلال تشيكوسلوفاكيا وبولندا ومملكة عرفت فيما بعد باسم يوغوسلافيا. وتسلمت هذه الدول الجديدة ومعها إيطاليا ورومانيا
أراضي
كانت تابعة للنمسا ـ المجر. أما معاهدة سيفر فقد
انتزعت مصر ولبنان والعراق وفلسطين وسوريا وشرق الأردن من
الإمبراطورية العثمانية، وتخلت بلغاريا عن أراض لليونان ورومانيا، وكان على ألمانيا كذلك أن تخفض قواتها المسلحة وأن تدفع تعويضات.
عالم مابعد الحرب. وجد صانعو السلام أنه من المستحيل أن يرضوا آمال كل أمة ورغبات كل مجموعة قومية. لقد أغضبت
التسويات القوى المنتصرة والمهزومة على حد سواء.
وأخذ صانعو السلام في اعتبارهم رغبات المجموعات القومية وهم يرسمون حدودا جديدة. ورغم ذلك فإن المطالب القومية لم تتحقق في كثير من
القضايا،
مثال ذلك أخذت رومانيا مجموعة مجرية كبيرة من
السكان، كذلك كان في أجزاء من تشيكوسلوفاكيا وبولندا
ألمان كثيرون، وكان من شأن هذه التسويات أن تزيد من الخلافات بين الأقطار. وبالإضافة إلى ذلك فإن الأقطار العربية كانت مستاءة لأنها لم
تحصل على
استقلالها.
لم تحقق الحدود التي أعادت رسمها تسويات الصلح الأمان
الاقتصادي إلا قليلا، مثال ذلك أن الأقطار الجديدة في
النمسا ـ المجر كانت صغيرة وضعيفة وغير قادرة على أن تدعم نفسها، لقد فقدت كثيرًا من سكانها، ومواردها وأسواقها، وطالب السكان
الألمان
في النمسا إلى حد كبير بالاتحاد مع ألمانيا، ولكن
صانعي السلام لم يريدوا لألمانيا أن تكسب أراضي بعد الحرب.
دخلت بريطانيا عالم مابعد الحرب وهي أكثر دول الحلفاء
رضى. فلقد حافظت على إمبراطوريتها وسيطرتها على
البحار، لكنها كانت منزعجة من أن ميزان القوى الذي أرادته في أوروبا قد ينقلب رأسا على عقب بوجود ألمانيا ضعيفة للغاية وبنصر
شيوعي في
حرب أهلية في روسيا، وبنجاح فرنسا في فرض شروط
قاسية على ألمانيا عدوها التقليدي. ولكنها لم تنجح في تأمين
حدودها وفشلت في أن تحصل على ضمان بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة في حالة غزو ألماني. وأخيرًا حصلت إيطاليا على أراض أقل
مما وعدت
به وأحست أنها لم تأخذ ماتستحق.
في الولايات المتحدة خالف مجلس الشيوخ الرأي العام،
ورفض الموافقة على معاهدة فرساي، وعارض بذلك الرئيس
ولسون. كانت المعاهدة تجعل الولايات المتحدة عضوا في عصبة الأمم. ولم يكن كثير من الأمريكيين على استعداد لأن يتقبلوا المسؤوليات
المترتبة
على القوة الجديدة التي صارت لبلدهم. فلقد خشوا أن
تقحم عصبة الأمم بلدهم في منازعات أوروبية.
لقد وضعت معاهدة فرساي شروطا قاسية أكثر مما توقعته
ألمانيا. وكانت مسؤولية قبول هذه الشروط إضعافا لحكومة
ألمانيا بعد الحرب. وخلال الثلاثينيات ظهرت حركة شديدة التعصب للقومية يقودها أدولف هتلر، الذي وعد بتجاهل معاهدة فرساي والانتقام
لهزيمة
ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى. وفي سنة 1939م
غزت ألمانيا بولندا وبدأت الحرب العالمية الثانية بالفعل.
تعليقات
إرسال تعليق